في خطوة مفاجئة، دفعت السعودية تحالف أوبك+ نحو زيادة سريعة في إنتاج النفط. هذه الخطوة، التي تبدو في ظاهرها محاولة لاستعادة حصة سوقية مفقودة على المدى القصير، تحمل في طياتها طموحات أكبر بكثير، ألا وهي ترسيخ مكانة المملكة كلاعب مهيمن في سوق الطاقة العالمي على المدى الطويل.
في اجتماع تاريخي، اتفقت ثماني دول نفطية كبرى، بقيادة السعودية وروسيا والإمارات العربية المتحدة، على زيادة الإنتاج المشترك بمقدار 548 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من أغسطس المقبل. هذا القرار يمثل تسريعًا لعملية تخفيف القيود المفروضة على الإنتاج منذ أبريل الماضي، والتي بلغت 2.17 مليون برميل يوميًا. بالإضافة إلى ذلك، حصلت الإمارات على حصة إضافية قدرها 300 ألف برميل يوميًا.
ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه الزيادات الطموحة لن تحدث تغييرًا جذريًا في إجمالي إنتاج أوبك+. ففي الواقع، العديد من الدول الأعضاء قد وصلت بالفعل إلى الحد الأقصى المسموح به لها، أو حتى تجاوزته. وتبرز كازاخستان بشكل خاص في هذا السياق، حيث دأبت على تجاوز حصتها المخصصة لها، مما أثار استياء السعودية لعدة أشهر. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج كازاخستان في يونيو الماضي بلغ 1.88 مليون برميل يوميًا، وهو رقم قياسي يقارب مستويات مارس، ويتجاوز بكثير هدفها لشهر أغسطس البالغ 1.53 مليون برميل يوميًا.
إجمالًا، أنتجت الدول الثماني مجتمعة 32 مليون برميل يوميًا في يونيو، متجاوزة حصتها المجمعة البالغة 31.38 مليون برميل يوميًا. وبالتالي، فإن رفع القيود يبدو وكأنه محاولة لـ"التوفيق بين الإنتاج الفعلي والأرقام الرسمية".
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا اختارت السعودية، القوة الدافعة وراء أوبك+ وأكبر مصدر للنفط في العالم، هذا التوقيت بالذات لزيادة الإنتاج؟ يبدو أن هناك عدة عوامل متداخلة:
تتمتع السعودية بميزة تنافسية هامة، وهي قدرتها الإنتاجية الفائضة. فبينما يواجه العديد من المنتجين الآخرين صعوبات في زيادة إنتاجهم، تمتلك السعودية احتياطيات كبيرة غير مستغلة. وتشير التقديرات إلى أن السعودية قادرة على زيادة إنتاجها بمقدار 3 ملايين برميل يوميًا في غضون 90 يومًا فقط.
بعبارة أخرى، باستثناء الإمارات، تعتبر السعودية العضو الوحيد في أوبك+ القادر على زيادة إنتاجه بشكل كبير في الأشهر القادمة.
لا شك أن زيادة إنتاج أوبك+ ستؤدي إلى مزيد من الضغط على أسعار النفط العالمية. وبالفعل، شهدنا انخفاضًا ملحوظًا في أسعار خام برنت هذا العام، حيث تراجعت بنسبة 15% لتصل إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل. ومع ذلك، قد يكون هذا الانخفاض في الأسعار في صالح السعودية على المدى الطويل.
ففي ظل انخفاض الأسعار، تميل الدول المنتجة للنفط، سواء داخل أو خارج أوبك+، إلى تقليص استثماراتها في مشاريع جديدة. وهنا تبرز ميزة السعودية، حيث تتمتع بتكاليف إنتاج منخفضة وقدرة إنتاجية فائضة، مما يجعلها في وضع أفضل لتلبية الطلب المتزايد في المستقبل.
وقد بدأت بالفعل تظهر آثار انخفاض أسعار النفط على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة. وتشير التوقعات إلى أن إنتاج النفط الأمريكي سيبدأ في الانخفاض تدريجيًا، بعد سنوات من النمو المتواصل.
في نهاية المطاف، تمثل استراتيجية السعودية رهانًا طويل الأجل. ففي حين أن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة قد يكونون قادرين على الاستجابة بسرعة لتحركات السوق، إلا أن التأثير الأكبر على صناعة النفط ككل يستغرق وقتًا أطول حتى يظهر. فالاستثمارات في مشاريع جديدة، مثل حقول النفط البحرية، تحتاج إلى سنوات حتى تتحول إلى إنتاج فعلي.
وتشير التوقعات إلى أن المعروض العالمي من النفط سيتجاوز الطلب في عامي 2025 و 2026، وذلك بفضل الزيادة في إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك+. ومع ذلك، فإن هذه التوقعات هي التي تدفع السعودية إلى التحرك الآن، للحفاظ على مكانتها المهيمنة في السوق على المدى الطويل.
في ظل الظروف الحالية، حيث تشهد أسعار النفط تقلبات كبيرة، وهناك حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الطلب العالمي على الطاقة، فإن العديد من الدول المنتجة للنفط تتردد في الاستثمار في مشاريع جديدة. وهذا ما يجعل رهان السعودية على المدى الطويل يبدو أكثر جاذبية.
تحذير من المخاطر وإخلاء المسؤولية:هذه المقالة تعبر عن آراء الكاتب فقط، وهي للإطلاع فقط، ولا تشكل نصيحة استثمارية أو توجيهًا ماليًا، ولا تعكس موقف منصة Markets.com. تتضمن تداول عقود الفروقات (CFDs) مخاطر عالية وتأثير رافعة مالية كبيرة. نوصي باستشارة مستشار مالي محترف قبل اتخاذ أي قرارات تداول، لتقييم وضعك المالي وقدرتك على تحمل المخاطر. أي عمليات تداول تتم بناءً على هذه المقالة تكون على مسؤوليتك الخاصة.